وهكذا أرادها الآباء المؤسسون للإمبراطورية الأميركية، وهم من النخب البارزة، ففي أميركا، لا تحتسب أصوات الشعب الفردية، بل أصوات المندوبين، فهناك عدد محدد من المندوبين لكل ولاية، حسب تعدادها السكاني، ويمثل المندوب الواحد مجموعة كبيرة من الناخبين، وعندما تصوت هذه المجموعة الكبيرة من الشعب لمرشح معين، فإن صوت المندوب يذهب لذلك المرشح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بإمكان المندوبين أن يغيروا وجهة تصويتهم لمرشح آخر، ضد إرادة الشعب، وهو الأمر الذي نادرا ما يحدث، لأنه يعني ببساطة تفريغ قيم الديمقراطية من معناها.
في أميركا فقط ، من الممكن أن يفوز المرشح بأصوات الشعب، ثم يخسر الرئاسة بأصوات المندوبين، وحدث هذا عدة مرات، كان آخرها فوز الرئيس ترامب ، رغم أن هيلاري كلينتون هي من فازت بغالبية الأصوات الشعبية، فقد صوت لها أكثر من 65 مليون مواطن أميركي، في مقابل أكثر من 62 مليوناً لترامب، أي أنها فازت بنسبة 48٪، في مقابل 46٪، لترمب. هذا، ولكن بسبب أن ما يتم احتسابه هو أصوات المندوبين، فقد فاز ترامب بأصوات 304 مندوبين في مقابل 227 لهيلاري، ورغم كل المناشدات بتغيير النظام الانتخابي، لتكون أصوات الشعب فقط، هي من يحدد الفائز بالرئاسة، إلا أن هذا النظام الفريد ما زال قائما، ولا شك أن رؤية الآباء المؤسسين، الذين وضعوا هذا النظام، كان لها أهداف يطول الحديث حولها.
لو كانت الأصوات الشعبية هي من يحسم الفوز بالرئاسة، لكانت هيلاري كلينتون هي رئيسة أميركا حاليا، ولكان العالم مختلف عما هو عليه اليوم، فهي كانت تنوي مواصلة سياسات الرئيس السابق أوباما، وذلك بالتقارب مع إيران، والتحالف مع التنظيم الدولي للإخوان، وعدم الدخول في مواجهة مع الصين ولا مع الحلفاء الأوروبيين وحلف الناتو، وغير ذلك كثير، فهي تمثل اليسار المعتدل، فيما يمثل ترامب اليمين، ولو كانت الأصوات الشعبية هي من يحسم الفوز بالرئاسة، لأصبح آل قور هو رئيس أميركا ، بعد انتخابات عام ٢٠٠٠ ، وهذا يعني أننا لم نكن لنشهد صعود المحافظين الجدد، جورج بوش الابن ورفاقه، ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفوتز وأمير الظلام ريتشارد بيرل، مما يعني أننا ربما لم نكن لنشهد حرب العراق واحتلاله، وما تبع ذلك من أحداث جسام، مثل صعود الطائفية، والتي لا تزال منطقتنا تعاني منها، مما يعني عمليّا أن نظام الانتخابات الأميركي الفريد، ساهم بصعود زعامات وصنع سياسات، غيّرت وجه العالم ووجه منطقتنا على وجه الخصوص.