جنوب افريقيا ليست دولة عربية ولا هي مسلمة وديانة غالبية الشعب فيها هي المسيحية لكنها فعلت فعلا إنسانيا بل وإسلاميا وعربيا مما لا يقوى على فعله من يحكم دول العرب والمسلمين والنخب فيها. لقد قامت حكومة هذه الدولة الأفريقية بإذلال كيانات تدعى حكومات عربية وإسلامية ومعهما حكومة إسرائيل معا مرة واحدة وفي حركة إنسانية قبل أن تكون قانونية ودولية حينما دعت لمحاكمة الكيان الإسرائيلي الغاصب في محكمة العدل الدولية عن جرائم الإبادة التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني. ولقد أذاقت هذه الكيانات الثلاثة مرارة الخزي والعار عندما بدأت فعليا الدخول في جلسات المحكمة لتثبت للعالم (رغم ان هذا ليس في خطتها) مستوى الشجاعة والإنسانية التي تملكها هذه الدولة الأفريقية ويفتقدها من يسمون أنفسهم عربا أو مسلمين. وكانت هذه الخطوة الجنوب أفريقية بحق صفعة واحدة مدوية وبيد واحدة للصهاينة ومن يحكم العرب والمسلمين ونخبهما.
قد يدعي البعض إن طرح الموضوع من قبل جنوب افريقيا كطرف غير عربي وغير مسلم أفضل من طرحها من قبل الدول العربية والمسلمة التي تصنف ولو ظاهريا بأنها عدو تقليدي للصهاينة وهذا أمر غير حقيقي بسبب علاقات الكثير من هذه الدول فضلا عن تطبيع كثير من الدول العربية علاقاتها مع اسرائيل وسكوت الدول العربية الاخرى عما يجري وكأنها غير معنية بتدمير غزة وإبادة أهلها من الوجود. ومن جانب اخر يرى البعض بأن هذه الخطوة (أو المسرحية كما يسميها البعض) لا فائدة منها باعتبار أن المحكمة واجهة من واجهات الغرب الذي يؤيد ما تقوم به اسرائيل من جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وكنا نتمنى أن تقوم الدول العربية والإسلامية بهذه الخطوة (أو المسرحية) وليس دولة من خارج المنظومة العربية والإسلامية لندعي قولا أو تمثيلا إن القضية عربية وإسلامية وهي قضيتنا قبل أن تكون قضية إنسانية تمس المجتمع الدولية. لكن حتى هذا الإدعاء لوحده هو أقوى من إمكانات الحكومات العربية والمسلمة.
فما الذي تملكه جنوب أفريقيا لتدخل معتركا سياسيا ودوليا كبيرا ضد اسرائيل ومن يقف خلفها من الغرب الأمريكي والأوربي وحكام الكارتون العرب والمسلمين؟ وعلى ماذا استندت جنوب افريقيا من وثائق وأدلة؟ الحقيقة أن الموضوع الذي بدأته جنوب أفريقيا ليس خطوة عبثية أو إعلامية كما تعودنا من الحكام العرب. هو طريق مدروس ومتقن يعرف القائمون به بدايته وتعرجاته ويستطيعون تقدير نهايته ونتائجه. نقول هذا ونحن في بداية جلسات المحكمة رغم إن هذه الخطوة بحد ذاتها هي انتصار كبير لقضية غزة ولأهلها المتروكين لوحدهم تحت رحمة قصف وقتل الآلة الصهيونية.
لقد بنى الفريق القانوني لدولة جنوب أفريقيا دعوتهم على مصادر حيادية مختلفة اهمها تقارير دولية محايدة لاسيما وإن المطلوب هو إثبات ادلة لا تقبل الدحض عن ابادة الشعب الفلسطيني. والمضحك المبكي بالموضوع هو إن الحكومة الاسرائيلية ساعدت بنفسها الفريق الجنوب أفريقي من خلال التصريحات الإعلامية العديدة والمتكررة التي أدلى بها مسؤولي هذه الحكومة حول نيتهم ابادة اهل غزة لاسيما تصريح وزير دفاع العدو الصهيوني الذي تضمن قطع الماء والكهرباء والغذاء والوقود عن أهالي غزة الذي تم اعتبارهم حيوانات بشرية تأكيدا لنزع الصفة الانسانية عنهم واستحقاقهم القتل والإبادة والدعوة لضرب غزة بقنبلة نووية ومحوها من على وجه الأرض.
كما إن ما قامت به اسرائيل من فعل إجرامي وتدميري بحق أهل غزة منذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023 ومازال مستمرا سيساعد الفريق القانوني على تحقيق النصر القانوني الدولي على الكيان الاسرائيلي لاسيما وان ضحايا حربها منذ بدئها ولحد الآن وصل إلى أكثر من 23 الف قتيل وقرابة 60 الف جريح ولازالت حرب الإبادة مستمرة. وستكون الخطوة الأولى التي تسعى إليها جنوب أفريقيا اجراءات قانونية وقتية أهمها وقف القصف والإبادة حالا مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وسيثبت التاريخ إن حكومة جنوب افريقيا كانت بخطوتها هذه أشرف من حكام العرب والمسلمين