في تلك اللحظات التي تسبق رحيلنا، تزداد الوحشة، وتغمرنا الذكريات المؤلمة التي كانت مغمورة في أعماقنا. كانت أمي، بلمساتها الحانية، تلعب دورها في مملكة الصبيان، تملؤنا بحنانها وتلقبنا بالطفل المدلل. ولكن الحياة، كما هي، لا تستمر على نفس الوتيرة. بعد مرور ربيع العمر وخريفه، تأتي لحظة الغياب التي تحفر في الذاكرة.
حينما يغيب الأحبة، يصبح الألم أعظم من أن يوصف. ما بين دمعتين سالتا على وجنتي، لم يكن للزمن أن يرحم، بل كانت الأيام تختطف منا الأعزاء بلا رحمة. وفي تلك اللحظة التي لامست قلوبنا الفراق، كان لنا أن نتساءل: ماذا عن رحيل تلك الطيبة التي سكنت قلبنا؟ ماذا عن ذكرى يديها التي كانت تزرع السعادة في كل زاوية من حياتنا؟
ذكريات الطفولة التي تحتفظ بها الصدور تتناثر كحبات المطر، وفي كل زاوية من المنزل، تجد عطر أمي، وكأنها كانت هناك منذ لحظات. لا يمكن للزمان أن يمحو تلك اللحظات، ولكن الفقد يبقى حاضراً، ملهماً لكتابة القصائد والمقالات التي تعبر عن ألم الرحيل.
بعد أن انطفأ موقدها، تبقى السجادة اليدوية التي كانت تحمل روحها، وعطر الحناء الذي كانت تزين به يديها، وصندوق الذكريات الذي يتناثر فيه كل ما هو غالٍ. وها هي الحياة تسير بنا نحو المجهول، ولا يبقى في النهاية سوى عطر أمي، وحكايات لا تبرح الأذهان.
الفقد لا يترك لنا سوى ذاكرة مطوية في صندوق الذكريات، يفتحها الزمن ليذكرنا بتلك اللحظات التي كانت تحيا فيها محبتنا