تعويذةُ الصَّبــــر
لماذا فقطْ، بيننا
وحدَنا ؟
يراقصُنا الموتُ حبلَ الوريدْ ؟
لهُ مايريدْ !!
تسيلُ الدماءُ طفولةَ زهرٍ
بخدِّ الصعيدْ !!
ويمضونَ حتفاً بغيرِ
وداعٍ،
ودونَ عزاءْ
سوى النخلِ يلقي
علينا الرّثاءْ ...
وبين الدهاليزِ صمتٌ عجيبْ ..
وبين الحنايا رصاصٌ
رهيبْ..
وثغرُ الحمائمِ ملّ الغناءْ..
فجفَّ الهديلُ وماتَ
الرَّجــــــــــــاءْ ..
يمورُ إلى الأُفقِ
صوتُ الدعاءْ ..
و لِليّلِ سِفْرٌ من
الذكريات ..
من الأمنيات،
وخصرٌ يميلُ بلحنِ الربيعْ..
ولكنّ وحدي أنا من يضيعْ !!
فحتى متى في أسانا ندور ؟
ويحدو خُطانا
رُعافُ القبورْ ؟!
__________
الشاعرة العربية السورية وفاء دلا
_الدراسة النقدية حول قصيدة الشاعرة وفاءدلا( تعويذة الصبر)
يتوزع النظر النقدي على مستويات في تحديد البعد الجمالي للنص الشعري، وهي البعد التركيبي والبعد الايقاعي و البعد التصويري و الدلالي، وعند وقوفنا على تلك الابعاد في قصيدة(تعويذة الصبر) تتضح لنا دلالة الاستفهام كمطلع للنص بوصفها بعدا تركيبيا دالا يحيلنا الى غاية التساؤل وهي الدلالة على الرفض من ذلك الواقع الذي اصبح الموت هاجسه وهو يبتلع كل ما حوله، بحركية مستمرة دلت عليها تلك الافعال المضارعة المتكررة في النص ( يراقصنا،. تسيل، يمضون، يلقي) وغيرها ما يؤكد ذلك الأثر النفسي الذي تعيشه الشاعرة بشكل مستمر بوصفها تنتمي لهذا الواقع، فضلا عن تكرار حرف الواو في رسم الصور الشعرية مما يعكس لنا دلالة المشاركة ووقع تلك الاحداث معا (ويمضون حتفا، وبين الدهاليز، وبين الحنايا، وثغر الحمائم، ولليل سفر) و هذا ما ينعكس على مستوى الجمل الفعلية التي احتاجت صورها الى الحركية في مواضع صورت فيها انعكاس نفسي داخلي او خارجي ( يراقصنا الموت حبل الوريد) (فجف الهديل ومات الرجاء) فالصورة الحركية المنبعثة عن تلك الرؤى النفسية تطلبت بعدا حركيا تركيبيا مما دفع بالشاعرة الى استخدام الجمل الفعلية بدلا عن الاسمية.
اما على المستوى الايقاعي فالشاعرة حرصت على منح القصيدة بعدا موسيقيا يتناغم وطبيعة الشعور النفسي لها كشاعرة وللقارئ بوصفه متلق يخضع لطبيعة الايقاع فطرة، وبالتالي موسقت القصيدة ومنحتها طابعا ايقاعيا دالا معبرا من خلال تفعيلة (فعولن) ذات الايقاع المتناغم السريع مما يعكس دلالة الحدث المتمثل بتلك الصور النفسية الناتجة عن ذلك الواقع، وهذا الايقاع يتناسب وطبيعة الصور التي اشرنا اليها على المستوى التركيبي من خلال حرف الواو الذي اكد على الاشتراك وكأنما الصور جاءت مرة واحدة وتداخلت واقعيا ونفسيا، وهذا ماتنقله تلك التفعيلة بحكم قصرها وسرعتها الصوتية (فعولن//٥/٥)، فضلا عن تكرار بعض الحروف كحرف الواو الذي منح النص بعدا موسيقيا، كذلك تركيبة الافعال المضارعة والماضية التي تحتمل صوتا على مستوى تركيبة الحروف داخل الفعل، بالتالي نجد ذلك الملمح الايقاعي المميز داخل النص مما منحه بعدا جماليا مميزا.
على البعد التصويري نجد الشاعرة قد تنقلت بين الصور المادية والصور المعنوية بحسب ماتقتضيه الحالة التي تود الاشارة اليها، وهذا واقع النص الشعري بوصفه انبعاثا لترددات نفسية تخلق نوعا من البعد المادي الخارجي، او العكس ليصبح الواقع المادي مبعثا لتلك الصور النفسية، فالحديث عن صور الامنيات والذكريات والحزن والندم كلها انبعاثات لصور معنوية غير ملموسة ولا مادية فهي لا تتجاوز الشعور النفس الا انها نتيجة تلك الصور المادية للدهاليز والرصاص الوريد وغيرها واحيانا تجمع بين المادي والمعنوي في صور واحدة كما في حديثها عن الموت الذي يترواح بين الموت البايولوجي المادي والموت النفسي..
في البعد الدلالي اتضحت الملامح على مستوى تلك الابعاد التي تحدثنا عنها ضمنا في باقي المستويات فما من استخدام تركيبي او ايقاعي او تصويري الا وله بعد دلالي اشاري يحيلنا الى مفاهيم وقناعات ورؤى تكونت داخل نفس الشاعر، وهذا ما نتج عن نص الشاعرة وفاء دلا، اذ يحيلنا النص الى تلك الرؤى النفسية والانطباعات المتراكمة نتيجة ذلك الضغط المنبعث عن الواقع الذي تعيشه وهي الشاعرة ذات الاحساس العالي الذي يحتضن ذاتها ومجتمعها وواقعها ووطنها وكل ما يحيطها مما جعلها قادرة على منح النص هويته الشعرية بامتياز.
د. نوفل الناصر. جامعة /كركوك
العراق.