باع داسم بيته وجميع ما لديه من ماشية وأراض زراعية في القرية التي يقطنها وجاء ليسكن المدينة. جمع مالا كثيرا وقرر أن يفتح مدرسة أهلية ليصبح مستثمرا كبيرا. خطواته الكبيرة هذه جاءت بحسب نصيحة مطرش صديق طفولته الذي أصبح عضوا في مجلس المحافظة منذ سنتين وله علاقات واسعة ومتشعبة مع المسؤولين في المحافظة والبلد. كان الاتفاق بين الاثنين أن يعين مطرش داسم في تأسيس مدرسة أهلية مقابل حصة لا تزيد نسبتها عن 25 % من أرباحها السنوية تذهب لجيب عضو مجلس المحافظة مطرش لتوفيره التسهيلات والحماية التي يقدمها لأعمال داسم. كانت فكرة تأسيس المدرسة قد تمت مناقشتها من قبل داسم ومطرش منذ سنوات وقبل أن يدخل مطرش مجلس المحافظة. ولأن داسم واجه مشكلة التحصيل الدراسي والشهادات المطلوبة غير الموجودة لديه. أعانه مطرش بتقديم كل ما يسهل أمره من التسجيل والعثور على من يدخل امتحان الصفوف المنتهية (الثالث متوسط والسادس الأدبي) بدلا منه. وبحكم علاقاته ومن خلال الجامعة الأهلية التي يملكها شقيق دهار زميل مطرش في مجلس المحافظة. تم تسجيل داسم في الوجبة المسائية دون الحاجة إلى حضوره عدا أيام الامتحانات وفعلا أجتاز داسم الجامعة خلال أربع سنوات وبتقدير امتياز نافس فيه الطلبة الأوائل في القسم والكلية أجمعها. بدأ الاستعداد لتأسيس المدرسة الأهلية في وسط المدينة. وبعد أن أشترى داسم بناية المدرسة وتم تأثيثها، بدأ يفتش عمن يعينه مديرا للمدرسة ومعاونا للمدير. كان مطرش قد نصحه بان تكون أهم مواصفات من يدير المدرسة هو السعي لكسب رضا المستثمر والمحافظة على منصبه بكل الوسائل. وأن يكون الهدف الأول للإدارة هو استخدام كل ما متاح لتعظيم أرباح المدرسة، فيخفض رواتب المدرسين والموظفين كلما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يبحث عن مدرسين بدلاء لتعويض من يعترض منهم على حاله في المدرسة. ومطلوب من مدير المدرسة أو معاونه أن يوفر من المستلزمات ما يقدر عليه ويوعد بالأخرى وعدا قد لا ينفذ. وكل أجراء تقوم به المدرسة لطلبتها يجب أن يكون بثمن. فلا وثيقة تخرج أو كتاب تأييد أو أي ورقة من المدرسة بدون مقابل نقدي، وحتى التأخير في تسديد أقساط الطلبة يجب أن يدفع عنها غرامات تأخيرية. يجب على مدير المدرسة أن يهتم بالطلبة وشكاواهم أكثر من اهتمامه بالمدرسين واحتياجاتهم. طلبة المدرسة هم الزبائن، وهؤلاء أهم بكثير من المدرسين الذين يمكن تعويضهم كيف ما كان. على مدير المدرسة أن يزيد من نسب نجاح الطلبة ولن يٌقبل منه نسبة تقل عن التسعين من المائة وذلك ليجذب عددا أكبر من الطلاب في السنوات القادمة. ومن المهم أن لا يضغط على الطلبة بشأن الغياب والغش وتجنب ما ينفرهم من المدرسة باعتبار إن المدارس الأهلية أصبح عددها أكثر من الاسواق والمولات في المدينة. نجحت مَدرسة المستثمر داسم في سنتها الأولى حيث تم قبول عدد كبير من الطلبة، وكانت الارباح أكثر مما توقعها المستثمر وصاحبه مطرش عضو مجلس المحافظة الذي أستلم حصته من هذه الارباح. بعد سنوات توسعت مشاريع داسم حيث أسس بنايات جديدة ليتوسع في قبول الطلبة وأشترى عددا من المدارس في مدينته وفي العاصمة، وأصبح مساهما كبيرا في أحدى المصارف الأهلية. كانت حصص مطرش قد ازدادت بسبب التوسع في مشاريع داسم الذي بدا يتبرع بمئات الملايين من الدنانير للجمعيات الخيرية وبعض الأحزاب. توطدت علاقات داسم ببقية أعضاء مجلس المحافظة وبعض اعضاء مجلس النواب في العاصمة. أصبح داسم من أغنياء المحافظة والبلد بعد هذا النجاح، وراح داسم يخطط ليتوسع في استثماراته داخل محافظته وفي العاصمة لتشمل الجامعات والمستشفيات الأهلية والمولات.