الخميس, 26 أكتوبر 2023 04:37 مساءً 0 290 0
المرتشي والراشي والدبس
المرتشي والراشي والدبس

 

دخل مدرس مادة العقوبات إلى قاعة الدرس التي لم تكن ممتلئة بجميع طلبة المرحلة الثالثة في كلية القانون في أحدى الجامعات الحكومية في بغداد ليشرح لهم ماهية عقوبة الرشوة في القانون العراقي. وابتدأ محاضرته بأن حمدَ الله وشكره على نعمه التي أنعم بها على بلدنا. ثم أستدرك: ان بلدنا يعاني من هذه الآفة؛ إذ أن ما موجود من حالات الرشوة لدينا قد يصل إلى أكثر من 90% من مجموع المعاملات والعاملين في الأعمال الحكومية. وبدأ محاضرتهمفسرا معنى الرشوة وأطرافها وأركانها ومتطلباتها وإثباتها والعقوبة للراشي والمرتشي والوسيط في حالة إثباتها، وأن المرتشي يفترض أن يكون موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة. أعطى أمثلة عديدة ومتنوعة عن حالات وحالات شملت كثيرا من المعاملات في مؤسسات الدولة.  

كانت المحاضرة هي الأولى في يومها، وتساهل المدرس في دخول بعض الطلاب المتأخرين الذين جاؤوا بعده بسبب زحام بغداد. أحس مدرسهم أن كثيرأ منهم متكاسلون ورأى تثاؤب البعض، فأراد أن يحفزهم على الإنتباه ويثير حماسهم على المشاركة في الدرس،حينها فتح باب النقاش للطلبة ليسألوا عما يدور في خلدهم عن الموضوع. ورغم قناعة معظم الطلبة بالأمثلة التي ذكرها مدرسهم واتفاقهم عليها، أعترض طالب منهم على النسبة التي حددها في بداية محاضرته، ووصفها زميل له بأنها أكثر من الحقيقة وقال أخر أنها معكوسة وأردف غيرهم بأنها لا تصل إلى أكثر من 15% من مجموع العاملين بسبب جهود الحكومة وفعالياتها للحد منها. 

في جانب أخر، أتفق طلبة اخرون أكثر عددا من المعترضين مع مدرسهم بما اعلنه وحاولوا أن يعطوا أمثلة جديدة وحالات سمعوا بها أو عايشوا أحداثها. كانت آراء كثير من الطلبة متفقة في أن نسبة المتعاملين بالرشوة كبيرة جدا وتتفق مع ما ذكره أستاذهم. حينما سألوا مدرسهم عن توصيف ما يستلمه الموظفون المكلفون بخدمة عامة من هدايا عينية أو وعد بمنفعة مستقبلية والمقدمة بشكل مباشر أو غير مباشر من مواطنين / مراجعين لتمشية معاملاتهم!!أجاب مدرسهم؛ بأنها تدخل في مجال الرشوة التي يعاقب عليها القانون.     

شارفت المحاضرة على الإنتهاء ولم يتفق جميع الطلبة مع مدرسهم على حجم الفساد الموجود في مؤسسات الدولة، ولكنهم متفقون على وجوده بنسبة قد لا تكون صغيرة. وفي الدقائق الأخيرة من المحاضرة،سأل المدرس طلابه عن العقوبة المقررة لأطراف الرشوة؛ ما هي عقوبة المرتشي؟ أجاب الطالب الأول: سبع سنين. أعاد المدرس السؤال باختصار وهو يشير بيده لطالب اخر؛ ها المرتشي ما هي عقوبته؟ أجاب الثاني: عشر سنوات. 

ظل المدرس يتنقل بين طلبته وهو يعيد السؤال باختصار أشد؛المرتشي .. الراشي، والطلبة يجيبون أجوبة مختلفة. لمح المدرس أحد طلبته نائما في قاعة الدرس. توجه إليه وأقترب منه والطلاب يضحكون وزملاؤه القريبين منه يحاولون إيقاظه حتى أنتبه إلى نفسه والمدرس أمامه. طلب منه جوابا لسؤاله؛ والراشي. تفاجأ بالسؤال وأستغربه، التفت يمينا ويسارا طالبا بعيونه الناعسة أن يساعده أحد ولو بكلمة. أعاد المدرس عليه السؤال بصوت أعلى وأقسى؛ والراشي؟ أجابه مضطرا ليتخلص من هذا الإحراج: نخلط معه دبس كربلاء. هنا ضجت القاعة بالضحك وأبتسم المدرس وقالبسخرية: نعم أعتقد هذا هو الجواب الصحيح. أدار وجهه نحو المنضدة القريبة من لوحة الكتابة، لملم أوراق محاضرته في حقيبته وغادر القاعة.

ضياء المياح  

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

Admin Admin
المدير العام

sss

شارك وارسل تعليق

بلوك المقالات

الفيديوهات

الصور

https://www.alshaya.com/campaigns/IHOP/ihop-ksa/index-ar.html?gclid=EAIaIQobChMI7sTGzbDh6AIVyZl3Ch17hAIDEAEYASAAEgKcrfD_BwE

أخر ردود الزوار

أعداد الجريدة

القنوات الفضائية المباشرة

استمع الافضل