التدريسي في الجامعة ليس موظفا كبقية الموظفين . ضياء المياح .
مهام المعلمين بمختلف شرائحهم كبيرة، وأعظم مهمة هي توصيل العلم وبناء المعرفة لدى طلبتهم ليكتسبوها ويطوروها ويطبقوها في حياتهم المستقبلية من خلال مجتمعاتهم. ويبقى لتدريسي الجامعات خصوصية تميزهم بعض الشيء من حيث المهام والأداء والوقت عن غيرهم من مدرسي الثانوية ومعلمي الابتدائية وبقية موظفي المؤسسات العامة والخاصة مع جل احترامنا للجميع. الكتابة هنا ليست نقابية أو انحيازية لفئة دون غيرها، بل هي واقع معاش لشريحة تصنع مستقبل البلد من خلال شبابه المتعلم والمتسلح بالمعرفة الصحيحة والمطلوبة.
ما يناط بالتدريسي من مهام في الجامعة عديدة ومختلفة تتوزع بين التدريس والبحث العلمي والخدمات الإدارية المرتبطة بعمله التدريسي. الحقيقة إن كثيراً من جامعات العالم الرصينة تعتبر العطاء في مجال البحث العلمي للأستاذ الجامعي يوازي أو يفوق عطائه التدريسي رغم أن الأخير هو أساس العمل في الجامعة أو التعاقد معها. لهذا تعتبر الخدمات الإدارية المقدمة من قبل التدريسيين أمرا مكملا لوظائفهم بالجامعة. فبعض الجامعات تكلف التدريسي بمهام إدارية قليلة جدا ليتفرغ للبحث العلمي بجانب ساعات التدريس المحددة له. وبهذا فإن مهام التدريسي في الجامعة لا تشابه مهام الموظفين الآخرين.
تعتبر مهمة تدريس طلبة الدراسات الأولية والعليا هي جوهر عمل التدريسي، وطريقه لبناء جيل متعلم ومتحضر معد لإدارة البلد في مختلف الجوانب في المستقبل القريب. التدريس في الجامعات تحتاج لجهد نوعي كبير اعتمادا على رصانة الجامعة والمستوى الأكاديمي للتدريسيين فيها. ومع الأسف الشديد، من الصعب جدا مقارنة مستوى الكثير من الجامعات العراقية بمثيلاتها من الجامعات العالمية الرصينة. هناك بون شاسع قد لا يختفي في عشرات السنين القادمة إذا أستمر العمل بنفس الوتيرة الحالية في جامعاتنا لاسيما الأهلية منها. وبحكم هذا الوضع الصعب، فما مطلوب من تدريسي الجامعات هو بذل الجهود الكبيرة للارتقاء بمستوى الجامعات العراقية لتنافس مثيلاتها العالمية وهو أمر ليس سهلا. ومن هذه الزاوية أيضا، لا يمكن اعتبار تدريسي الجامعات موظفين كغيرهم من الموظفين الاخرين.
نالت مهمة التدريس الجامعي الكثير من التغيير السلبي الذي أنتشر في معظم المؤسسات التعليمية عامتها وخاصتها لاسيما في التهيؤ والتحضير للمحاضرات والامتحانات ومناقشة الطلبة وتحرير أفكارهم لتلتهم المعرفة التهاما. هذا قد يكون بسبب الأوضاع التي مر بها التعليم في العراق لأكثر من أربعين سنة، فضلا عن إن كثير من طلاب اليوم يستهدفون النجاح ولا شيء غير النجاح وبشتى الوسائل غير مبالين بالعلم الذي سيحصلون عليه أو بالمعرفة التي سيكتسبونها ويستخدمونها في عملهم المستقبلي. وفي جميع الأحوال تأثر التعليم الجامعي سلبا بهذا التغير.
قد يكون واحدا من أسباب التغيير السلبي أن التدريسي الجامعي مطالب بمهام إدارية أكثر من الاعتيادية أو هي ليست من صميم عمله، أو أن وقته المتاح في الجامعة لا يكفي لتلبية هذه المهام الإدارية فيؤثر ذلك على أدائه التدريسي ومن ثم في نوعية مخرجات التعليم كلها لتصب أخير في بناء المجتمع سلبا. وبحكم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق التدريسيين في الجامعات، لا يمكن اعتبارهم موظفين كغيرهم من الموظفين.
إن عمل التدريسي لمؤسسته أو لتطوير إمكاناته العلمية لا يقتصر داخل هذه المؤسسة فحسب، أنه مفتوح طوال اليوم وقد يمتد لساعات متأخرة من الليل، بعضه متعلق مباشرة بالتحضير والامتحانات أو أنه يرتبط بالبحث العلمي التي هي سمة التدريسي في مثل هذه المؤسسات والمطلوبة منه اختيارا أو إجبارا والتي تميزه عن غيره من المعلمين والمدرسين في المدارس الابتدائية والثانوية وبقية موظفي مؤسسات الدولة.
كثير من الجامعات الحكومية إن لم يكن كلها (وليست الأهلية) أدركت هذا المعنى، فقللت من مهام التدريسي الإدارية وأعطته حيزا مرنا من الوقت ليكون له متسعا من الوقت يستغله في التحضير المناسب لمواده الدراسية ولممارسة دوره العلمي والتربوي في خلق جيل يتناسب وتحديات الحاضر والمستقبل وليستغله في بحثه العلمي ويزيد من مشاركته في المؤتمرات العلمية التي من شأنها رفع مستواه العلمي وإضافة رصانة وسمعة الى المؤسسة التعليمية التي ينتسب إليها.
ومقابل هذا الأمر، فإن كثير من الجامعات الأهلية ضيقت الحدود على مدرسيها وأثقلتهم بالمهام الإدارية وطالبتهم بالالتزام لا حصر لها لتحقيق أهداف الجهة المستثمرة والإدارة العليا وان جاءت بالضد من رصانة المؤسسة ومدرسيها سواء كان في مجال التدريس أو في مجال البحث العلمي. ولأن أعداد الطلبة والمدرسين في الجامعات الأهلية ينافس مثيلاتها في الجامعات الحكومية، فالنتائج المتوقعة من هذه الجامعات الأهلية في جميع المجالات ستكون دون المستوى المطلوب.
ض