أنانيتنا سبباً للتخلف . ضياء المياح .
أنانيتنا سبباً للتخلف
أول مخلوق أناني في هذا الكون هو إبليس اللعين حين ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)) وباعد رسول الله الأعظم (ص) الإيمان عن الأنانية حين قال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). الأنانية هي أن تفكر بنفسك ولا تهتم لأحد غيرك، أن تداري مصالحك ولا تهمك مصالح الآخرين أفرادا أو جماعات. إنها تقوم على فردية الفرد أولا وأخيرا وإهمال ما سواها مهما كان وأن تضرر المجتمع منها. فإن واجهت صمت الآخرين لاسيما غير المتضررين مباشرة منها، يمكن لأنانية فرد أن تتناسخ وتتكاثر من قبل أفراد آخرين وتصبح أنانية مجموعة ثم تتوسع لتصبح أنانية مناطق أو شرائح أو مجموعات ثم ثقافة شائعة تكون صفة للجميع وسمة للمجتمع.
وكيف نَعرف أن هذا الفرد أناني أم لا؟ وما هو الضرر الذي يمكن أن يسببه الفرد الأناني لمجتمعه؟ هل هناك صفات أو تصرفات تشير إلى أنانية الفرد أو الفرد الأناني؟ هل هناك أفراد أنانيون كثيرون بيننا؟ يمكن أن تكون الأجوبة على مثل هذه الأسئلة على شكل أمثلة نراها أمامنا كل يوم. ماذا نسمي من يهتم بنظافة بيته وسيارته ولا يهتم بنظافة أي مكان غيره عاما كان أم خاصا؟ وقد يكون هذا الأناني النظيف في بيته وسيارته سببا في وساخة الأماكن الأخرى؟ ومن يستخدم الرصيف الموازي لبيته فيحده بسياج أو بحديقة أو بناء أو يضع فيه مولدة كهربائية أو يستخدمه لأي غرض أخر، هل هو أناني؟ البعض يعتبر أن الشارع المجاور للرصيف أمام منزله ملكا خالصا له ولا يحق لأحد استخدامه. كما يمكنه أن يعطل سير المركبات أمام بيته سواء بالمطبّات الصناعية أو غلق الشارع بمواد البناء لأيام وبالحواجز الكونكريتية لأشهر وسنوات وعلى الآخرين استخدام طرقا أخرى.
أما الشوارع العامة فهي ملكا صرفا لهذا الفرد أو ذاك أينما سارت مركبته يسابق الجميع ولا يعطي لأحد مجالا للمرور قبله ولا يتعامل بإشارات تغيير الاتجاه والدوران والوقوف والاجتياز وتجاهل علامات المرور إن وجدت. أما أرصفة الشوارع التجارية في جميع مناطق بغداد، فيتم تضييقها أمام المارة بسبب استخدامها من قبل أصحاب المحلات التجارية لعرض بضائعهم أو استقبال زبائنهم في المطاعم والكازينوهات. ماذا نسمي هذه التصرفات الفردية؟ هل يمكن اعتبار هذه التصرفات الأنانية مرض؟ إذا كانت مرض، كم واحد منا يعاني منها؟ ومن لم يُشمل بهذا المرض، ما دوره إزاء هذه أفعال هؤلاء المرضى؟ هل أعترض أحد الأصحاء على هذه التصرفات المرضية؟ أكيد لا! بحجة عدم علاقته بالموضوع.. أنها تسبب مشاكل له هو في غنى عنها!! كل واحد منا هو الأول والآخرين أخيرا.. أنا وليأتي بعدي الطوفان. وهذا نوع أخر من الأنانية.
ورغم أن الأنانية صفة منبوذة، لكنها يمكن أن تصبح مقبولة ومألوفة كثقافة عامة إن انتشرت بين أفراد المجتمع وأعتاد الجميع عليها وتعاملوا بها. لقد أصبح من المعتاد أن يقوم أي فرد منا وبدون إجراءات أو موافقات قانونية أصولية؛ بسحب التيار الكهربائي من أعمدة الكهرباء القريبة أو البعيدة من منزله وتشغيلها بدون مقياس الكهرباء، وتأسيس أنابيب الماء والمجاري للمنازل والمحلات والشركات بالطريقة التي يراها مناسبة وبدون عداد استخدام الماء المهدور بشكل كبير لاسيما بوجود ماطورات لسحب الماء وقتما نشاء، والبناء كيفما أردنا بدون إجازات بناء أصولية وعلى أية مساحة أرض حتى وإن كانت أقل من خمسين مترا. هل هذه التصرفات الأنانية المرضية تضر بالجميع والمجتمع أكثر من ضررها بصاحبه؟ ويمكن بحسب ظروف تمر بها المجتمعات، أن تكون أمراض بعض الأفراد أمراضا للمجتمع. وإذا كثرت أمراض المجتمع ساد تخلفه.
هناك الكثير من الأمثلة الأخرى عن أنانية الفرد في مجتمعنا على الرغم من الإشكالات الشرعية التي يوجبها الدين الإسلامي الحنيف لمثل هذه التصرفات الفردية الأنانية. ومع هذا فإن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 قد وضع عقوبات رادعة لكثير من التصرفات الفردية الأنانية غير القانونية والتي لا تتماشى مع الذوق العام، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا ولم يقللها. لقد بدأت تنتشر مثل هذه التصرفات لتصبح ثقافة معبرة عن جهل وتخلف المجتمع سواء بسبب أنانية الأفراد أو صمت الآخرين عنهم أو عدم اتخاذ إجراءات رادعة من الجهات الحكومية ذات العلاقة بحقهم. وفي مثل هذه الحالة، هل ننتظر إجراءات تقوم بها أجهزة الدولة للحد من هذه الظاهرة؟ مثل هذا الانتظار قد يطول إلى أمد لا نعلم نهايته! نحتاج الآن وليس غدا إلى ثقافة مضادة تلتزم الإيثار نقيضا للأنانية على أن تظهر علنا مبادرات الإيثار ونبذ الأنانية بصورة واضحة ودائمة.
ضياء المياح