هل يجب علينا احترام السيئين والمسيئين؟ ضياء المياح ...
استمرار الحياة بانتظام وتطورها تتطلب منا المحافظة على القيم الصحيحة والأصيلة للمجتمع وأفراده. بتعبير أدق، إن كان هناك تبدل في القيم، فالمفترض أن يكون نحو الأحسن، أو على الأقل تظل القيم المقبولة تراوح في مكانها ولا تهبط دون المستوى المطلوب. أهم مصادر المحافظة على القيم الصحيحة واستمرارها هو الدين الإسلامي الحنيف والعائلة وأماكن التربية والتعليم والمجتمع بقوانينه. لهذا فإن السكوت عن الانحرافات في قيم وأخلاق وتصرفات فرد أو مجموعة من الأفراد سيكون سببا لتدهور المجتمع وانحداره. وهذا يوجب علينا ألا نحترم السيئين والمسيئين.
وإذا أردنا المحافظة على الأخلاق الاصيلة لمجتمعنا، لماذا علينا احترام العاقين لوالديهم والقاطعين لأرحامهم أولئك المقاطعين لأخوتهم بسبب سوء تفكيرهم أو بتأثير مؤثر (زوج أو قريب أو صديق)؟ لماذا علينا أن نحترم من يهتم بأولاده ولا يهتم بأبويه أو أحدهما؟ لماذا علينا أن نحترم من ينفق على أولاده وزوجته ما أستطاع إلى ذلك سبيلا ولا ينفق دينارا واحدا على أبويه أو أحدهما؟ لماذا علينا احترام من يُعبر عن حبه لأولاده بوقته وماله وقبلاته وأحضانه ولا يرى منه أبويه إلا كلمات هوجاء لا معنى لها؟ لماذا علينا أن نحترم من يهجر أخوته بسبب أبنائه أو بسبب زوجته؟ لماذا نحترم من لا ت/يزور ولا ت/يسال (ولو باتصال) عن أبيه/ا وأمه/ا أيام وأسابيع وأشهر وربما سنوات؟ لماذا علينا أن نحترم أخا تخاصم دهرا مع أخته أو العكس بسبب زوج أو ولد أو أرث أو موقف أو كلمة؟ نحن لا نتحدث عن أعمام وأخوال وهم محل احترام وتقدير وتواصل واتصال، نحن نتحدث عن عوائل كبر الأبناء فيها وأسسوا بيوتهم واستقلوا بعوائلهم!!
لماذا علينا احترام التاركين/الهاجرين (والتاركات/الهاجرات) أولادهم(ن) من مطلقيهم؟ كيف يمكن أن نتعامل مع من تخلى عن أبنة في الثانية عشر من عمرها لأمها المطلقة منه (من غير عشيرته) لأنه لا يحب الإناث ولا يريد أن ينفق عليها وتمسك بأبن في العاشرة من عمره لأنه ذكر؟! كيف لنا أن نحترم من ترك أولاده لمطلقته عدة سنوات دون سؤال (إلا دفع النفقة المقطوعة من راتبه جبرا) وأنشغل بأولاد زوجته من زوجها السابق؟ كيف نحترم من كانت متزوجة ولديها أولاد وبنات وأحبت رجلا متزوجا له أولاد، فتطلقت من زوجها لتتزوج من أحبته الذي طلق زوجته وهجر أولاده؟ هل هو انحدار في ثقافتنا وقيمنا؟ هل هي مجاملة أصبحت جزء من شخصيتنا؟ أم هو عجزنا عن المواجهة والهروب من هذه المواقف؟ أم هي حاجتنا لمثل هؤلاء مستقبلا؟
لماذا علينا احترام الذين يدعون الإصلاح والعقلانية وهم محددون بمصالحهم وبعض المصالح غير شريفة؟ تسيرهم أهوائهم ونزعاتهم! لماذا علينا احترام من يدعون التدين وهم ينافقون ويتملقون لأصحاب المصالح ويقبضون الرشى او يدفعوها ويتوسطون لمن لا يستحق بمقابل أو بدونه ويؤازرون الظالم والمعتدي ويعاقرون الخمر أو يقيمون العلاقات غير الشرعية مع النساء؟
لماذا علينا احترام المنافق والمتملق والغشاش والكذاب والمخلف لوعوده والخائن لأماناته؟ لماذا ندعه يستخدم طيبة أخلاقنا ليتودد بما يعرف عنا لأصحاب سلطة أو نفوذ؟ لماذا نجالس من يخون زادنا ومائنا وبيتنا ولا يحترم علاقة الزمالة أو الصداقة أو الجيرة أو القرابة؟ لماذا نوفر له إحساسا بأن علاقته بنا متميزة وهي ليست كذلك؟ أنه نفاقنا الذي نتدرب عليه ليكون جزءا من شخصيتنا وشخصيات أولادنا!!
لماذا علينا احترام من يظن نفسه قائدا في عمله وعائلته وما هو إلا ديكتاتورا يغطي عيوبه بقسوة التعامل؟ لماذا علينا أن نحترم أصحاب المناصب الصغيرة وهم واجهة مُرقعة مهلهلة لتغطية عيوب من هم أعلى منهم؟ لماذا علينا أن نحترم من يدعي تاريخا وطنيا أو وظيفيا أو مهنيا وهو لا تاريخ له؟ لماذا نهاب شخصا نعلم أنه بالونة تنفجر بدبوس صغير وليس شيئا اخرا؟ قد نهاب مثل هؤلاء الأشخاص وهم لا يستحقون المهابة! أو أننا تعودنا على إظهار المهابة وفي داخلنا رفضا قاطعا لهم ولشخوصهم وهذا نفاق ما بعده نفاق!!
لماذا علينا احترام الفاسد والراشي والمرتشي والسارق والمختلس؟ لماذا علينا احترام الحاصل على المكاسب والامتيازات دون استحقاق؟ لماذا علينا احترام من لا يحترم القانون ويرى نفسه فوقه؟ لماذا علينا احترام المتهاونين في تطبيق القانون لتحقيق مصالحهم والحفاظ على مراكزهم واموالهم؟ لماذا نصافحهم ونتحدث معهم ونزورهم ونتقبل زيارتهم لنا؟ هل لنا حاجة عندهم؟ أم هو تهاون في أخلاقنا؟ أم هي ثقافة استشرت في مجتمعنا وتقبلناها رغما عنا وصرنا جسرا لها؟
ما الذي يجبرنا على احترام ناس لا تستحق الاحترام؟ ما الذي يدفعنا للتعامل مع اشخاص نراهم سيئين أو مسيئين؟ في مثل هذه الحالة، أما نكون جزء من هذه الثقافة لأننا لا نرى الأمر هكذا، أو لأننا لا نقوى على المواجهة وتحمل خسائرها. إذا أردنا أن نبني مجتمعا صحيحا، فعلينا أن نواجه أنفسنا بأنفسنا ونضع النقاط فوق حروف كلماتنا المشوشة ونحدد ضوابط التعامل مع مثل هؤلاء ليلفظهم المجتمع بعيدا حتى يتم تصحيح ثقافاتهم أو مساراتهم. علينا إظهار عدم الاحترام أو عدم الاهتمام على أقل تقدير. وان لم نفعل ذلك، فمستقبل مجتمعنا سيتدهور أكثر مما هو عليه الان بسببنا وستبتلي أجيالنا القادمة بثقافة نحن زرعناها وأسسنا لها. أوقفوا احترامنا للسيئين والمسيئين وحددوا تعاملنا معهم ورفقا رفقا بأجيالنا القادمة.
ضياء المياح