في مساء لم اتذكر تاريخه ، نهاية سبعينيات القرن المنصرم ، استلمتُ مواد الاقسام الرئيسة في الجريدة ، وبعد مناقشتها مع الزملاء مسؤولي الاقسام ، تم وضع العناوين النهائية ، والملاحظات التحريرية عليها ، ذهبتُ الى رئيس التحرير الاستاذ ناصيف عواد ، لغرض البت النهائي في مضامينها ، واختيار التقرير السياسي لليوم التالي على الصفحة الاولى .. كانت جلسة عمل اعتيادية ، وحالما انتهيت واردتُ الخروج الى غرفتي في قاعة التحرير ، طلب اليّ رئيس التحرير البقاء ، حيث ابلغه مدير مكتبه بوصول الاستاذ طلال سلمان رئيس تحرير جريدة ( السفير ) ... كانت الجريدة ، تسابق في ركضة مارثون الصحافة اللبنانية ، وبان تقدمها ، ملحوظا في اطار الانتشار ، وشكلت اسما وثقلاً اعلاميا مؤثراً في المحيط اللبناني والعربي ... دخل طلال سلمان ، وبدأ عناقه مع الاستاذ ناصيف ... وليس صعباً ، ان يلاحظ المرء ان علاقتهما عميقة ، وربما تمتد جذورها الى عقود من الزمن ..! تحدث طلال سلمان بخيلاء عن ( السفير ) ... ثم اعطى ملاحظات دقيقة وصحيحة عن الصحافة العراقية ، التي كان يبدو انه يطلع عليها من خلال ما تصله من سفارتنا في بيروت ... كان طموح طلال في جريدته واسع المدى ...واتذكر انه عدد اسماء كتاب لهم شأنهم الفكر والسياسة والثقافة والفنون ، تعاقد معهم ، للعمل والكتابة في ( السفير ).. ومما سجلته في مفكرتي من كلام طلال سلمان في ذلك اللقاء قوله ان الجريدة رأت النور يوم 26/3/1974 وفي اليوم التالي اي يوم 27/3/1974 ومع صدور عددها الثاني رفعت ضدها أول دعوى قضائية ، ثم توالت الدعاوى حتى بلغت 16 دعوى في عام واحد من بينها دعاوى بتهمة المس برؤساء دول صديقة..!! من المؤلم ، ان تحيل " السفير" نفسها على التقاعد ، وتتوقف في 31 ديسمبر 2016 بسبب أزمة تمويل ، فلم نعد نقرأها نهائياً .. وهذا مؤشر على ان الصحافة العربية الورقية ، رغم انني ابنها ، ومن اشد الناشطين في مجال ديمومتها ، والداعين الى استمرارها في كل محفل اتواجد فيه ، خسرت رهان التحدي امام التقنيات الحديثة .. وفي هذه اللحظات استشعر ثقل قرار اغلاق ( السفير) على يد ابيها طلال سلمان ، الذي ودعنا قبل يومين ، واصبح ضيفا على الرحمن الرحيم .. ( صورتي مع الاستاذ ناصيف عواد قبل ٤٤ سنة )