كتب /عبدالقادر فاضل ./
في عصرنا الحديث، أصبح التافهون والمبتذلون هم من يسيطرون على الساحة الإعلامية والاجتماعية، في ظاهرة لا يمكن إغفالها أو تجاهلها. فمع كل تطور تقني ومع ظهور منصات التواصل الاجتماعي، أصبحنا نعيش في زمن يُعطى فيه التافهون دور البطولة. لقد تغيرت معايير النجاح والشهرة، حيث صار الإسفاف والابتذال مفتاحًا للوصول إلى الجمهور وتحقيق النجاح.
قد يبدو للبعض أن هذه الظاهرة عابرة أو مجرد مرحلة من مراحل تطور الإعلام، ولكن الحقيقة هي أن هذا التحول يعد علامة على تغيّر عميق في القيم والمبادئ التي كانت تشكل أساس المجتمع. في الماضي، كان النجاح يقاس بالإبداع، والصدق، والجدية. أما اليوم، فقد أصبح النجاح مقيّسًا بالقدرة على إثارة الجدل، والظهور في العناوين، وإن كان ذلك على حساب المبادئ الإنسانية الرفيعة.
وإذا نظرنا إلى تصريحه الشهير للفيلسوف الفرنسي "آلان دونو"، نجد أن حديثه حول تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات تروّج للتفاهة يبدو دقيقًا للغاية. يقول دونو: "إن مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين." هذا التحول ليس عرضيًا بل هو نتيجة لتخطيط محكم وراء تلك المنصات التي تعمل على تعزيز ثقافة الاستعراض والتسليع. فالأشخاص الذين يمتلكون مظهرًا جذابًا، ولكنهم يفتقرون إلى العمق الفكري أو الشخصي، أصبحوا هم من يعِيشون في دائرة الضوء ويستقطبون الملايين من المتابعين.
وفي الوقت الذي يفقد فيه الكثيرون من المبدعين والمفكرين فرصهم في تسليط الأضواء عليهم، نجد أن الشخصيات التافهة تزداد شهرة وجماهيرية بفضل قوتها في استغلال هذه المنصات لنشر الخفة والسطحية. وليس هذا فحسب، بل إن وجود هذه الشخصيات على المنصات يساهم في تشكيل ذائقة عامة متراجعة، حيث يسعى الكثيرون إلى تقليد هذا النموذج السلبي في محاولة للبروز والظهور.
إن خطر هذا الوضع لا يقتصر على الإعلام فقط، بل يتعداه إلى المجتمع بأسره. فحينما يصبح التافهون هم النموذج الذي يُحتذى به، فإن ذلك يؤدي إلى تراجع القيم الإنسانية، كالأخلاق، والإبداع، والتفكير النقدي. وفي غياب هذه القيم، يصبح الفساد في الذوق والأخلاق سمة سائدة، إذ يبدأ الناس في التعامل مع القضايا والأحداث بمنطق السطحية والابتذال، دون الغوص في أعماق الموضوعات أو محاولة فهم جوانبها المختلفة.
لا شك أن هذه الثقافة التي تتعزز يومًا بعد يوم تفرض تحديات كبيرة أمام المجتمع، فهل من الممكن أن نعود إلى قيم الحق والجدية التي تأسس عليها الزمن الجميل؟ أم أننا في طريقنا إلى عصر تزداد فيه الجماهيرية والتأثير للتافهين؟ هذه أسئلة تظل بلا إجابة واضحة في ظل استمرار هيمنة هذه الظاهرة، لكن المؤكد أن الأمل يبقى في نشر الوعي وتشجيع القيم الإنسانية الحقيقية.
عبدالقادر فاضل