العواصف الترابية التي شهدناها في الأيام المنصرمة، شكلت عنواناً لخارطة العراق، إذ لم تخل منها مدينة أو منطقة أو حي، ومع اعترافي بأن من الصعوبة كبح جماح هذه الظاهرة في وقت قصير، كونها باتت سمة طبيعية بامتياز لا يهمها نوع الضحية أرضاً، وبشراً من أي جنس وطائفة، لكني أجد من الضروري اتخاذ إجراءات تتناسب مع حجم الدمار الذي تسببه، ودراسة الغاطس منها، وليس ذلك صعباً، ففي بلدان أخرى لا سيما الدول المجاورة، حدث ما يشابهها، بل أكثر منها دماراً (السعودية، وبعض بلدان الخليج العربي) لكنها تجاوزت الحالة، بعد أن استعانت بخبراء دوليين لهم باعهم وتجاربهم، ولا أظن أن الاستعانة بهؤلاء، مدعاة للعيب أو الضعف أو ارهاق للميزانية، فأرواح العراقيين أغلى من كنوز الأرض جميعاً، كما أن تحقيق الاستقرار النفسي جراء هول العواصف الترابية، يعني بداية جديدة للإنسان العراقي نحو راحة غائبة عنه منذ سنوات . وحين أقول (استقرار نفسي) إنما أعنى صيانة كرامة أرض وطن وما عليها من سكان، فتوفير الحد الأدنى من ذلك الاستقرار، هو من القضايا الملحة لاستتباب الحياة الكريمة دون منغصات، ولا أغالي حينما أذكر أن الدول التي تتسم بالضعف، نتيجة انكسار الحالة النفسية والقلق عند مواطنيها، إنما تصبح كالقشة في مهب الريح، كون مشاعر القلق النفسي تتداخل مع الأنشطة اليومية للمواطنين، فيصعب التحكم فيها، وفي ضوء ذلك، فإن تحقيق الاستقرار النفسي لا ينفع معه أسلوب الاسترخاء والمهادنة، بل السعي إلى إيجاد حلول حازمة من قبل جهات رائدها الدقة، الصبر، الأناة، الموضوعية، المصداقية، العلمية، عدم التحيز، النزاهة، الجرأة، الخبرة، الدراية، الممارسة، عدم المحاباة، عدم التلكؤ في قول الحق والحقيقة، عدم الخوف، وعندما نجد مثل هذه المواصفات في جهات عراقية أو أجنبية، فلا نتأخر عن الاستعانة بها، فهل نبدأ بالخطوة الأولى؟. أتمنى ذلك، ولكن قبل كل شيء علينا السير باتجاهين: مكافحة التصحر بالأحزمة الخضراء والسعي ببرامج علمية لإزالة القلق النفسي الذي يعيشه المواطن نتيجة العصف الترابي!.